انطلاق الجلسات النقاشية لـ"القمة الثقافية أبوظبي 2019" بمنارة السعديات

وام

انطلقت أمس الجلسات النقاشية لـ"القمة الثقافية أبوظبي 2019 "التي تنظمها دائرة الثقافة والسياحة في منارة السعديات بأبوظبي وتستمر حتى 11 أبريل الجاري..بمشاركة أكثر من 450 خبيرا ومتخصصا من 90 دولة.

وقالت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في كلمتها الافتتاحية للجلسات النقاشية إن "القمة الثقافية أبوظبي 2019" في نسختها الثالثة تجمع نخبة متميزة من المبدعين وصنّاع السياسات لمناقشة المسؤوليات الثقافية والتكنولوجيا الجديدة ودور الثقافة في تعزيز الوعي بالقضايا العالمية الملحّة ومساهمة القطاع الثقافي في التغيير الإيجابي بالمجتمعات العالمية.

وأضافت أن عنوان القمة يلخّص متطلبات وقتنا الحالي في تسخير التكنولوجيا وكيف يمكننا كمسؤولين وأفراد في القطاع الثقاقي والإبداعي تحمل مسؤولية الطفرة التكنولوجية ففي وقت ليس ببعيد كنا نناقش فيه تقنية الجيل الخامس وكيف أنها محرك أساسي للتنمية وتتماشى مع رؤية الإمارات 2021.

وقالت معاليها إن التكنولوجيا أصبحت أداة ووسيلة في صناعة الفن و"لست متأكدة كيف أشعر بلوحة رسمتها ريشة الذكاء الاصطناعي في سوق الفن" ولكن حان الوقت أن نسأل أنفسنا ما هي العلاقة بين الفن والآلة إذ نؤمن بأن الثقافة للجميع وقد ساعدت التكنولوجيا على ذلك وخاصة في كسر حاجز طبقة معينة تستمتع بقراءة مخطوطة معينة أو التعرف على تفاصيل لوحة لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة.

وبدوره قال معالي محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة أبوظبي في كلمته الترحيبية إنه تم تأسيس "القمة الثقافية أبوظبي" بهدف تمكين كافة المجتمعات من التواصل والتعرف على بعضها البعض وتحديد القضايا المختلفة التي نواجهها على مستوى العالم ومحاولة حلها معا.

وأضاف أن القمة توفر منصة لتبادل المعرفة من خلال طرح التساؤلات وبحث حلول للتحديات التي تعيق تقدم الدول والتعرف على القضايا الجديدة حتى نتمكن من تكوين وجهات نظر وتقديم حلولاً جذرية وتحقيق ما تصبو إليه هذه النسخة من القمة الثقافية والمتمثّل في إيجاد الحلول لإحداث تغيير إيجابي.

وبدأت الجلسة الافتتاحية للحدث تحت عنوان "الدبلوماسية الثقافية والمسؤولية في زمن التكنولوجيا الحديثة" و أدارها معالي زكي نسيبة، وزير دولة الذي توجه بسؤال للمتحدثين المشاركين في الجلسة عن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الثقافية في عالم يزداد تفككا وانقساما وكيف يمكن للسياسيين استخدامها كأداة فعالة للتغيير المثمر.

وفي هذا الصدد افترض خوسيه لويس ثباتيرو، رئيس الوزراء الإسباني الأسبق بأن الثقافة هي أكثر الأدوات فاعلية فهي لا تستخدم القوة والهيمنة، بل تلجأ إلى الإبداع والاستيعاب لتوحيد كافة الأطراف معاً، ويجب علينا أن نعمل سوياً وفقاً للاعتقاد بأنه لا توجد هنالك دولة، أو ثقافة، أو دين، أسمى عن أية دولة أو ثقافة أو ديانة أخرى، وحتى نتمكن من تحقيق ذلك سنستطيع من إيجاد حوار مفتوح بحق وتحقيق سلام عالمي.

وقال خورخي فرناندو كيروغا، رئيس بوليفيا السابق وعضو في نادي مدريد بأنه من السهل أن نلقي اللوم على شخص يأتي من ثقافة أخرى ولا يحذو حذونا، وهو أمر ناتج عن تصاعد مفهوم الحماية حول العالم ولكنه يؤمن بالقيمة الكبيرة للدبلوماسية الثقافية حيث يرى بأن الثقافة هي الرابط المشترك الذي يجمعنا معاً.. في حين أن التكنولوجيا تمكنت من جلب العديد من الفرص، لكنها أيضاً أوجدت الكثير من التحديات الجديدة – فهي بدل أن تعمل على توسيع العقول، يمكن أن تعمل ببساطة على تعزيز ما نؤمن به حالياً.

وتحدث بيرناردو ليون، مدير عام، أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، حول الأسباب الكامنة وراء اندلاع الصراعات والحروب، وأنها تأتي من تكوينات ثقافية، وأننا نحمل جميعًا على عاتقنا مسؤولية متساوية في العمل نحو تحقيق التسامح لتمكين حوار مثمر، فلطالما تمحوّرت الثقافة الدبلوماسية حول الترابط، حيث يمثل كل دبلوماسي دولة لها مصالحها الوطنية الخاصة؛ والثقافة هي الأداة التي تسمح للدبلوماسية بتحقيق مرادها على أكمل وجه في أوقات التوتر.

فيما أدار الجلسة الثانية التي حملت عنوان "ما دور الإعلام في عصر التكنولوجيا؟" جون بيردو محرر صحفي في مجلة "ذي إيكونوميست"، والتي تناولت ازدياد ظهور شركات التكنولوجيا كموزعين للأخبار، ونظرت في الطرق التي أدت بها التكنولوجيا الجديدة، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى تحويل العلاقة بين المنتجين والمستهلكين لجميع أنواع الإعلام الثقافي.

وافتتح بيردو الجلسة بالإشارة إلى دور التكنولوجيا في تحديث نماذج الأعمال ليس فقط عبر تغيير قنوات وأساليب الصحافة، ولكن من خلال تغيير طرق القراءة والوصول إلى المعلومات، حيث يواجه القرّاء صعوبة أكبر في تحديد المعلومات التي تستحق وقتهم، وأغلبهم لا يريدون مواجهة أية تحديات خلال قراءتهم للأخبار، ولكن فقط للتأكد من معلوماتهم وأفكارهم.

وشاركت مينا العريبي رئيس تحرير صحيفة ذا ناشيونال في الجلسة بالحديث عن التغيرات التي طرأت على توقعات القارئ فلم يعد التركيز على النصوص فحسب بل هنالك الصور وأفلام الفيديو والوسائل الصوتية وغيرها ..مشيرة إلى أن الاختلاف الأكبر الذي نلاحظه هو أن الأخبار لا تنتهي فهي مهمة مستمرة في تحديث الأخبار ليلاً ونهاراً عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي..

وبغض النظر عن التحديات في هذا المجال، فإنها ترى بأن هذه التغيرات تسببت في تطوير وتحسين صحافة ومحتوى صحيفة ذا ناشيونال، وترى بأن مستقبل الصحافة يكمن في تخصيص محتوى يتناسب مع كل قارئ.

وقال شاشي مينون، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة نيرفورا إن الهدف العام بالنسبة له قد ظل كما هو: إنتاج محتوى مفيد وعالي الجودة ذو أهمية للجمهور ..منوها التكنولوجيا تمكنت من تغيير كيفية إنتاج المحتوى ولكن لن تغير ماهيته.

كما أشار إلى أنه يعتقد أن أكبر خرافة في مجال الصحافة الحديثة، هي الإيمان بأن التكنولوجيا ستكون "المنقذ" للإعلام، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام المطبوعة لم تندثر بعد كما تم التنبأ بذلك مسبقاً.

وقال جون دفتيريوس، متخصص في الأسواق الاقتصادية الناشئة ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط سي ان ان " انه تم إنشاء الأخبار عن طريق التكنولوجيا، ولكن الثورة الحقيقية جاءت مع تقنيات الهواتف الذكية والهواتف المحمولة، وهو يعتقد أن أهم خاصية لأي جهة إخبارية هي المصداقية، إلى جانب نشرهم لتغطية تتسم بالتوازن والوسطية.. كما أشار إلى أن وسائل الإعلام أصبحت تلعب الآن دورا جديدا غير مسبوق له، يتمثّل في التدقيق في الحقائق لكلا الجانبين السياسيين من أية قضية، نظرا للعدد الكبير من الجمهور الذي يركز على تعليقات الآخرين وردود أفعالهم حول الأخبار، ومن الضروري أن يأخذ القارئ خطوة إلى الوراء، ليسمح لنفسه لاستخلاص وتحليل الكمية الهائلة من المعلومات التي يتلقاها بشكل يومي.

كما ناقشت جلسة "المتاحف في العصر الرقمي" كيف يمكن للمتاحف أن تتبنى تقنيات جديدة لتحسين تجربة الزائر بشكل أفضل، أدارها تروي ثيرين، رئيس المقيمين، قسم المبادرات المعمارية والرقمية، متحف سولومون آر جوجنهايم.. وطلب ثيرين من المشاركين في الجلسة معالجة مسألة كيفية الحصول على تجربة رقمية سريعة وإدخالها في المساحة المتحفية وكذلك إخراج الفنون خارج حدود المؤسسات الثقافية.

وقال الفنان إيميكا أوغبوه انه لا يتسنى للجميع فرصة تجربة الفنون، وتوثيق الأعمال رقمياً يتيح للأفراد الوصول إلى الفن خارج المتاحف..منوها انه لا يوجد عذر لعدم استخدام تقنيات مثل الواقع الافتراضي، فهي تتعلق بإمكانية إتاحة الوصول وتحقيق المساواة للجميع.

بدورها قالت ليزي جونغما، رئيسة مشروعات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لشبكة جلام الرقمية أن التحدي الرئيسي يتعلق بفكرة "الأصالة" والذي تستخدمه المتاحف كعذر واه لعدم التصرف، فهي تعتقد أن مسؤولية المتاحف وواجبها التعليمي هو استخدام طرق جديدة لعرض الفن والكشف عن مجموعاتها لأكبر عدد ممكن من الجمهور، وأن الرقمنة أمر رائع، فهي تدفع الجمهور لرؤية نفسه في العمل الفني بدلاً من خفض أعداد الزوار.

وقال أبينان بوشياناندا، الرئيس التنفيذي والمدير الفني لبينالي آرت بانكوك، أنه يرى التحدي في التلاعب بالسياقات.. فكيف يمكن أن نأخذ الفن خارج سياق المتحف؟ نحن جميعا مدمنون رقميون، وعليه يجب وضع الفن في هذا السياق، وضرب مثالاً في بينالي بانكوك، حيث تم استخدام المعابد الملكية كأماكن للأعمال الفنية الرقمية، مدخلين بذلك الرقمنة في سياق التقاليد.

وأوضح كودو تاكاشي، من "تيم لاب" المجموعة الفنية للفنان، متحف الفن الرقمي في طوكيو بعض الشيء عن مؤسسته، وكيف يحاول فريق "تيم لاب" إيجاد طرق جديدة لفهم العالم من حولنا من خلال الفن الرقمي.

وتناولت جلسة "الشعبية أم الشعوبية؟" التي أدارها تيم مارلو، المدير الفني للأكاديمية الملكية للفنون، وجوب أن يجذب الفن الجميع، وما إذا يجب أن نخشى النخبوية.

وعلّق لارس نيتف، قيم فني، ناقد، كاتب، والمدير السابق لمتحف تيت مودرن، ومتحف "M+" للفنون في هونج كونج، ومتحف الفن الحديث في ستوكهولم، بأنه يجب أن يحصل الجمهور على فرصة للوصول إلى الفنون والخبرات الإبداعية، ولكن من المهم أن نعي بإنه ليس بالضرورة أن يمثّل هذا الأمر أي أهمية بالنسبة لهم. كما أشار إلى الانقسام بين المؤسسات الثقافية، فبعضها قد تبدو عنيدة في تمسّكها بقيمها ورسالتها من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، يجب ألا يدعو التمسك بهذه القيم إلى التصلّب والصرامة، حتى لا تميل إلى النخبوية.

من جهته، تحدث فاروق تشودري، منتج لدى شركة أكرم خان، وحاصل على رتبة الإمبراطورية الملكية، حول أن جاذبية الفنون تعود إلى التواصل، وما إذا كان يمكن للجمهور ربط ما يرونه بأنفسهم بطريقة ما، والذي يجعل للأمر قيمة شخصية.. وأنه لا يرى بأننا يجب أن نسعى نحو زيادة أعداد الزائرين لتحقيق أرقام أكبر فحسب – بل يجب أن نركز على جعل إشراك الجماهير مبنياً على أساس عميق يعني شيئاً بالنسبة لهم، فالغرض هو توسيع المخيلات وتحفيز الفضول لتعزيز التواصل وتمكين التجربة الشخصية. وأن الخطر الأكبر الكامن في الشعوبية هو أننا قد لا نواجه عملاً محفوفاً بالتحديات بعد الآن، وبذلك قد يهمين الكسل والرداءة على الإنتاجية، فإن الخوف والإحساس بالمخاطرة هما من أفضل المغذيات لتوليد أفكار ملهمة وإبداع أعمال فنية رائعة.

وافترضت منيرة ميرزا، المديرة التنفيذية لقسم الثقافة في كلية كينجز لندن، النائب السابق لعمدة إدارة الثقافة والتعليم، هيئة لندن الكبرى، إمكانية الإيمان بكلا المفهومين، فيجب توفر فهم نخبوي للفنون، بالإضافة إلى تفاعل العموم من الجماهير معها. ويجب على المجتمع الفني النظر داخلياً، فيبدو أنهم ليسوا متصلين مع مختلف الجماهير كما يظنون.. كما نوّهت بأهمية أن تثق المؤسسات الثقافية بمقدرتها وجودة ما تنتجه من محتوى، فهذا ما يكسبهم ثقة الجمهور، وسيعزز المجال لحوار مفتوح وثري.

وعلّق مدير الجلسة تيم مارلو على أن الخبرة أمر غاية في الأهمية، ليس فقط بالمعنى الأكاديمي، فيمكن للخبرة أن تتساوى أهمية مع وضع البرامج والارتقاء بالذائقة العامة للجمهور.

وفي إطار النزاعات الأخيرة والأعداد المتزايدة من الكوارث حول العالم، ناقشت جلسة "لماذا يأتي التراث على سلم الأولويات خلال الأزمات؟" ما يمكن أن يقدمه التراث من مساعدات للمجتمعات المتضررة تدفعها إلى التعافي من الحالات الخطرة التي مرّت بها. أدار الجلسة لازار إيلوندو، مدير قطاع الثقافة والطوارئ في منظمة اليونسكو.

وتحدث أليكساندر كيلنر، مدير المتحف الوطني "ريو دي جانيرو"، البرازيل، عن تجربته الأخيرة مع الكوارث الطبيعية في أعقاب الحريق الذي ألحق الضرر على الكثير من متحفه ومجموعته الفنية..مشيرا إلى أن الجانب الإيجابي من الكارثة هو إظهار الأهمية الكبيرة للتراث والكنوز العلمية التي فقدت في الحريق للجمهور، فتلقى المتحف تدفقًا كبيرًا من التعاطف والعون من جميع أنحاء العالم.

بدورها تحدثت مارلين باريت أودوين، مؤسسة التراث الثقافي/ iTE/ عن عملها في اليمن، وعن أملها في المستقبل بعد رؤية مدى تفاني الشعب اليمني في الحفاظ على ما تبقى من تراثهم الثقافي المادي.

كما تحدثت الفنانة الأردنية آلاء يونس عن مسيرتها الفنية، وخاصة عملها الفنية "خطة لبغداد الكبرى" ، الذي عُرض في بينالي البندقية، ويستكشف الروابط الفكرية للمباني والآثار في العراق من خلال سرد معماري موازٍ.

من جهة أخرى، قدم فنان الأداء المعاصر الحاصل على جوائز، ماركوس لوتينز، جلسة ذهنية تأملية.

وتخللت جلسات ما بعد الظهيرة ورش عمل قائمة على تبادل الأفكار حول القضايا والتحديات الرئيسية، من خلال عملية تفكير متعددة القطاعات شارك فيها الحضور، والتي ركزت على توضيح الأسئلة الرئيسية التي طرحت في الجلسات العامة، وتمحورت حول كيفية جعل الثقافة والتكنولوجيا فعّالتين للمجتمع في كافة المجالات.

الاكثر من أخبار محلية

أخبار محلية